03 Nov
03Nov

ولد الناشر الراحل "محمد بشير الفرجاني" في قبيلة تغرنة بغريان عام 1923 ثم انتقل والده للعمل في الجوازات على الحدود الغربية فأستقر بمدينة زوارة وفيها تلقى تعليمه الابتدائي، ثم اكمل تعليمه في الظهرة حينما كانت والدته وشقيقاته يرافقنه خلال فترة الدراسة التي لم تكتمل بسبب اندلاع الحرب العالمية الثانية، حيث رجعت العائلة الى جبل غريان الى حين استقرار الاوضاع باستدعاء المتعلمين عام 1949 لاجراء امتحانات لتأهيلهم كمعلمين فكان رفقة 55 معلما تم اختيارهم من بين 370 متقدم، لكن الطباشير والسبورة لم تكن نهاية طموحه، فهي وجهته الصباحية لتعليم تلاميذه من بينهم الأديب يوسف الشريف- ففي المساء كانت بدايته مع توزيع الصحف والمجلات، تلك الوجهة التي استأثرت باهتمامه ودعته الى تعلم اللغات العربية والانجليزية والايطالية والالمانية ايضا، حتى تحقق له النجاح فتفرغ للمكتبة التي غدت أهم دور النشر الخاصة حتى اليوم

ارتبطت مكتبة الفرجاني التي تأسست عام 1953 في ذاكرة القراء؛ بالمؤلفات التي تعنى بتاريخ ليبيا، فهي التي تختار ماتنشره بعناية فائقة تدل على ثقافة حقيقية وادراك للأهمية، مما أكسبها احتراما جليلا في خياراتها مما تنشره من النتاج الفكري، يعود الفضل فيه الى مؤسسها الأستاذ "محمد الفرجاني" الذي ترك وراءه مكتبة ليبية تضم المئات من العناوين

كانت البداية في مقرها في شارع الوادي قبالة سينما الفتح ( اللوكس ) الشهيرة، حيث تولت مهام توزيع الصحف والمجلات العربية، ولاتزال سجلات ارشيف المكتبة الحكومية في مقرها القديم خلف مدرسة الفنون والصنائع تشهد على تزويدها بالدوريات والكتب العربية في تلك المرحلة

لاشك ان مدينة طرابلس قد حظيت عبر تاريخها بالأفاضل ممن تولوا مهام توافر المطبوعات العربية، بداية من "محمد بو ربعية" عام 1882 و المكتبة الطرابلسية للفاضل "محمد شرف الدين" خلال فترة الاحتلال الايطالي، الى حين تولي "ابناء المشيرقي" هذه المهمة حتى اواخر عهد الادارة البريطانية، التي كانت بداية نشاط مكتبة الفرجاني حتى تحولها الى العناية بنشر أوائل المؤلفات الليبية الذي تزامن مع ظهور المكتبة السريعة التي عنت بتوزيع الصحف والمجلات في الستينيات.

مع تأسيس المطبعة الحكومية عام 1955 التي قامت بطباعة أوائل مؤلفات الرواد من الأدباء تولت مكتبة الفرجاني مهمة توزيع "نفوس حائرة" اول مجموعة قصصية للقاص "عبد القادر ابوهروس" التي خط عناوينها الخطاطين "ابوبكر ساسي" و "عبد اللطيف الشويرف" ورسم غلافها الفنان الممثل "محمد شرف الدين"، كما شهدت ظهور مؤلف الأديب "خليفة التليسي" عن "الشابي وجبران" كما نشرت للأديب العربي "ابوالقاسم كرو" الذي كان مقيما في طرابلس مؤلفه "حصاد القلم" اضافة الى كتاب "نحو غد مشرق" للراحل "محمد فريد سيالة" الداعي الى حرية المرأة والنهوض بالمجتمع:

في منتصف الخمسينيات قامت المكتبة بطباعة المناهج التعليمية في مادة التربية الوطنية، وتوزيع مجلة ثقافية يصدرها الطلبة الليبيين الموفدين للدراسة في مصر بعنوان "صوت ليبيا" عام1958 لكنها مع زيادة ارتفاع المؤشر الطباعي للمطبعة الحكومية تعذر عليها طباعة المؤلفات الليبية محليا، فتحولت الى الطباعة في مصر بداية بمؤلف الشيخ "الطاهر الزاوي" بعنوان "أعلام ليبيا" ثم جاء التحول في السبعينيات للطباعة في بيروت ثم في لندن، حتى غدت "دار الفرجاني" بفروعها الأربع محليا وفروعها في القاهرة ولندن، قد نشرت حوالي 200 عنوانا في اللغة العربية ومائة عنوان في الانجليزية، من بينها خمسون عنوانا لأهم مصادر تاريخ ليبيا المؤلفة والمترجمة، كما اهتمت في السبعينيات بطباعة البطاقات البريدية التي تجسد التراث و الفولكلور الليبي

إلى جانب دوره الرائد في تأسيس ودعم الطبع وحركة النشر والمكتبات العامة وتوزيع الكتب والصحف في ليبيا، كان الفرجاني من أكفأ رجال الأعمال الليبيين بعد إعلان الاستقلال وقيام الدولة الليبية خلال فترتي الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي.‏

وقد أسس في بداية الثمانينات داراً للنشر والطباعة في القاهرة وأخرى في العاصمة البريطانية لندن التي قامت بنشر ترجمات للمئات من الكتب حولَ ليبيا والعديد من الكتب التي تتناول الشؤون والقضايا العربية، من بينها رواية زينب لمحمد حسين هيكل وكتاب ألف ليلة وليلة وكتب أخرى حول الأندلس والحضارات القديمة في العالم العربي.

شهد العام 1957 نقلة نوعية فى نشاط المكتبة عندما قام السيد محمد بنشر أول كتاب لشاعر ليبى، وهو ديوان (الحنين الظامي) للشاعر على الرقيعى، بالإضافة إلى ذلك قامت بإصدار أول مجموعة قصصية ليبية في كتاب في شهر مايو من سنة 1957 م، للقاص والكاتب الصحفي عبدالقادر بوهروس تحت اسم (نفوس حائرة)، وقد

جاءت في 195 صفحة من القطع الصغير، واحتوت على ثمانية قصص قصيرة.مكتبة الفرجانى التى تحولت من مجرد مكتبة لبيع الكتب العربية إلى دار للنشر والطباعة، قامت بإصدار أول رواية ليبية هى (اعترافات إنسان) للأديب محمد فريد سيالة فى العام 1962م. ورغم قيام المكتبة بالطباعة فى مصر بعد تجربة الطباعة فى المطبعة الحكومية إلا أنها لم تقتصر على نوعية معينة من الكتب،فقام السيد محمد بإصدار مؤلفات قيمة فى مختلف نواحى المعرفة نذكر منها على سبيل المثال: عمر المختار / الطاهر الزاوي، العدوان / محمد مصطفى بازامه،

وعلى احمد حمدى، آفاق جديدة فى تدريس الرياضيات (جزئين) 1972.لم يكتف السيد محمد بالنشر بل مارس دوراً هاماً فى ميدان الترجمة من اللغات الأوربية كالإنجليزية، والفرنسية، والايطالية الى اللغة العربية، فقد قام

بانتقاء الكتب التى تتحدث عن تاريخ وحضارة ليبيا فى محاولة للإستفاد مما كتبه الغربيون عن بلادنا من أجل الوصول لفهم أكبر وأعمق، فيقول السيد محمد عن ذلك: ".. كنت أختار الكتب التى تتحدث عن الجهاد، الرحلات عبر الأراضى الليبية". وعلى سبيل المثال لا الحصر: كوستانزو برنيا، طرابلس من 1510

-1850 (ترجمة الدكتور خليفة التليسى) 1969، ورحلة في الصحراء الليبية /كنود هلمبولويس رايت، وجوليا ماكليود (ترجمة: محمد روحى البعلبكى) "الحملات الأمريكية على شمال إفريقيا فى القرن الثامن عشر" (د.ت)، ومابل لومس تود، أسرار طرابلس (المترجم غير معروف)، 1968. وجلين تكر، (ترجمة عمر الديراوى

أبو حجلة) "معارك طرابلس بين الأسطول الليبى والأسطول الأمريكى فى القرن التاسع عشر" 1967. وبريان بلويه (ترجمة مصطفى جودة) قصة مالطا،(1969).والسنوسيون في برقة / إيفانس بريتشارد و جورج ريمون، من داخل معسكرات الجهاد فى ليبيا ترجمة الدكتور محمد عبد الكريم الوافى، ط1، 1971،ولوحات تسيلى قصة لوحات كهوف الصحراء الكبرى قبل التاريخ، هنرى لوت (ترجمة أنيس زكى حسن)1967، ثم كانت ترجمة كتاب الآنسة توللى، عشرة أعوام فى طرابلس (ترجمة عمر الديراوى أبو حجلة) الصادر فى عام، وقد لاقى هذا الكتاب الرواج الشديد حتى تمت اعادة طباعته أكثر من مرة مع كتاب الجنرال الدموى غرتسيانى "نحو فزان"، ثم توسع فى مرحلة لاحقة بترجمة كتب فى شتى نواحى الثقافة،فصدرت ترجمة عربية رفيعة المستوى لكتاب بوخينسكى، تاريخ الفلسفة المعاصرة فى أوربا، عبر قيام الأستاذ الجامعى محمد عبد الكريم الوافى بترجمته الذى صدر فى العام 1971.فى بداية الثمانينات أصبح للدار فروع فى كل من القاهرة ولندن التى كانت تعيد طباعة كتبها تحت اسم جديد DARF. خاض السيد محمد الفرجانى تجربة التأليف من خلال كتاب Beauty of Libya الذى صدر فى العام 1970 باللغة الانجليزية حيث يحوى معلومات سياحية وتثقيفية لتعريف الغرب بليبيا، كما اعاد ترجمة كتاب غراتسيانى (برقة الهادئة) فى سنوات التسعينيات.
رحم الله الأديب والمفكر الأستاذ المناضل : محمد بشيرالفرجاني وأسكنه فسيح جنانه .


نقلا عن مدونة جبل الزعتر

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
تم عمل هذا الموقع بواسطة