الشيخ العلامة : الطاهر عبد النّبي البكّاي انطاط الغرياني..
ولد شيخنا الجليل بقبيلة النّطاطات بمدينة غريان في 1903م
ينتمي الشيخ الطّاهر إلى أسرة عرفت بالعلم والتقوى والالتزام بالدّعوة إلى الله، والتّمسك بكتابه وسنّة رسوله صلّى الله عليه وسلم، تلقّي شيخنا الجليل العلم الشّرعي، على يد والده الفقيه عبد النّبي البكّاي، فدرس علوم القرءان والحديث والفقه واللّغة، بعدها توجّه إلى المغرب العربيّ للإستزادة من العلم الشّرعي، فكانت رحلته إلى تونس والجزائر والمغرب الأقصى سيراً على الأقدام بمثابة سياحة دينية، ينهل من علوم علمائها، ويتعرّف على المساجد العتيقة ويزور مناراتها ويتعرّف على أثار وقبور الصّحابة الأجلاء .
بعد هذه الرحلة الشّاقة، استقر به المقام بتونس، واتّجه إلى منارة من منارات العلم، عرفت بالزّاوية الصّوفية عند قبر الصّحابي الجّليل أبولبابة، وما لأهميّة الزّوايا في تلك الفترة من دور في تحفيظ القرءان الكريم، ونشر الإسلام في دول أفريقيا، على غرار الزوايا السّنوسيّة .. فقد وضع شيخنا الجليل نصب أعينه نشر تلك الدّور والزوايا، في أكثر من مكان لزيادة الفائدة وتحفيظ القرءان على رواياته المعروفة بالمغرب العربي.
لما قفل الشّيخ الطّاهر البكّاي، عائدا من تونس إلى مدينته غريان وقبيلته النّطاطات، بادر بإنشاء زاويته الصّوفية في نفس القبيلة، لتحفيظ القرءان الكريم وتلقينه للتلاميذ فضلاً عن إلقاء الدّروس في علوم الفقه والحديث وعلم التّوحيد، إلى جانب تدريس سيرة النّبي عليه الصّلاة والسّلام، والاقتداء بمنهجه القويم، وخلقه العظيم، وسلوكه الكريم، بعد أن أرسى دعائم تلك الزّاوية، عهد بها إلى أحد تلامذته، واتّجه مجاهداً نحو البلدات والمناطق المجاورة لينشىء بها العديد من الزّوايا، وكانت منطقة ورشفّانة وما جاورها أوّل وجهة له، وكان كلّما أسّس منارة أو ما يعرف بالزّاوية، يسند مهمّة إدارتها إلى أحد تلامذته أو مريديه . .. ففي عام 1936م أسّس أوّل منارة لتحفيظ القرءان خارج منطقته، وكانت ببلدة جنزور ناحية أولاد سويسي ، وعهد بها إلى الشّيخ محمد الدّوكالي، ثم أسّس زاوية المعمورة وأسند مشيختها إلى الشيخ بلقاسم، ثم توجّه إلى منطقة العامريّة وأنشأ بها زاوية أخرى، وأسند إدارتها إلى الشّيخ امحمد المغربي، ومن الزّوايا التي تتبع الشّيخ الطّاهر، زاوية الحشّان بقبيلة اولاد أبو حميّرة بالزّاوية الغربيّة التي أسّسها الشيخ العربي شيوب والذي كان تلميذا نجيباً من تلامذة عالمنا الجليل الطّاهر البكّاي .
بعد هذه الرّحلة الطّويلة والجهاد في سبيل نشر تلك المنارات، توجّه شيخنا الجليل سنة 1964م إلى الأراضي المقدّسة لاداء فريضة الحج عن طريق البحر، وكان معه في هذه الزّيارة عددا من طلاّبه ومريديه يستزيدون وينهلون من علمه ، ومن صور زهده، كان رحمه الله لا يأكل من الولائم والعزائم ، ويفضّل أن يأكل من فضلة تلاميذه ومريديه، ليكبح جماح نفسه ويقهر شهواتها ..
خلّف الشيخ الطاهر، سبعة من الأبناء، ثلاثة من البنين وأربع من البنات، سلكوا جميعهم مسلكه في طلب العلم، فابنه الأكبر، وصل إلى درجة متقدّمة من العلم فتحصّل على درجة الإجازة العلميّة الدّقيقة "الدّكتوراه" في علم الجيّولوجيا ، وابنه الأصغر يحمل الماجستير في القانون ، أما ابنه الأوسط فهو من خبراء التّعليم في مجال التّفتيش التّربوي ..
تُوفّي شيخنا الجليل، في الثّاني والعشرين من رجب ليلة الجمعة التي وافقت ليلة الإسراء والمعراج، الموافق السّابع والعشرين من شهر أكتوبر سنة 1967م وقُبر يوم الجمعة، وقد أمّ الصلاة عليه، الشّيخ العلاّمة علي الغرياني، جدّ الشّيخ الصّادق الغرياني مفتي الديار الليبية .. تغمّد الله شيخنا الجليل: الطّاهر عبد النّبي البكّاي انطاط الغرياني، بواسع رحمته وأسكنه فسيح جنانه وجمعه بالصّالحين ..
نقلا عن مدونة جبل الزعتر